استهداف الدوحة- ضربة إسرائيلية للوساطة، التطبيع، والأسرى

المؤلف: محمُود الرنتيسي09.13.2025
استهداف الدوحة- ضربة إسرائيلية للوساطة، التطبيع، والأسرى

عندما قصفت صواريخ الطائرات الإسرائيلية العاصمة القطرية، مستهدفةً وفد حماس المفاوض الذي كان يناقش اقتراحًا قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام، لم تهتز الدوحة فحسب، بل اهتزت أيضًا دعائم قضايا عديدة تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي وحلفائه.

تخريب لجهود الوساطة ونسف لمقترح وقف إطلاق النار

إن قيام دولة ما باستهداف وفد تفاوضي وانتهاك سيادة دولة أخرى تبذل جهودًا مشهودة وناجحة في الوساطات في صراعات قائمة، وفي نزاعات سابقة، يعد سابقة خطيرة في تاريخ النزاعات الدولية. وإذا ثبت تورط واشنطن في دعم هذه الجريمة الإسرائيلية، فسيكون ذلك سابقة جديدة في دعم دولة تقدم نفسها كوسيط للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وفي الوقت ذاته تسمح لدولة أخرى باستهداف وسيط آخر.

من زاوية مغايرة، يتضح بما لا يدع مجالا للشك انهيار الروايات الأمريكية والإسرائيلية التي كانت تضلل الرأي العام بادعاء أن المقاومة الفلسطينية، وحماس تحديدًا، هي من تعيق التوصل إلى وقف إطلاق النار. فقصف الوفد المفاوض بهذه الطريقة الفجة، ما هو إلا نتاج لعمل استخباراتي مُعدّ سلفًا، ما يؤكد النية المبيتة لعرقلة أي مسار يفضي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

تقويض لمكانة الولايات المتحدة وتوتير لعلاقاتها مع حلفائها

على الرغم من التهرب الأمريكي، ومحاولات التنصل غير المقنعة من الجريمة الإسرائيلية باستهداف وفد حماس في الدوحة وانتهاك السيادة القطرية، فإن أي تحليل موضوعي لا يستبعد وجود تنسيق مسبق حول هذه العملية وتوقيتها. بل لا يمكن فهم هذا الفعل دون ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية.

وبناءً على الاستنتاج السابق، فإن الحديث هنا لا يدور حول استهداف في إيران أو لبنان أو سوريا، بل استهداف قطر التي تتمتع بخصائص تميزها عن غيرها. فهي حليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتستضيف إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية.

كما أن قطر دولة رائدة في مجال الوساطة وحل النزاعات، ولها دور ملموس في تحقيق النجاحات على هذا الصعيد.

قطر أيضًا جزء من منطقة الخليج التي تربطها علاقات خاصة وإستراتيجية مع الولايات المتحدة. لذا، فإن افتراض أن الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب أعطت ضوءًا أخضرَ لرئيس الوزراء الإسرائيلي لقصف عاصمة دولة حليفة لها بكل هذه الميزات، يعتبر سابقة خطيرة تجعل جميع حلفاء الولايات المتحدة يراجعون حساباتهم تجاه العلاقة والتعهدات والضمانات والالتزامات الأمنية والعسكرية، خاصة إذا كانت مصالح هذه الدول قد تتعارض مع مصالح إسرائيل في أي لحظة.

وحتى لو افترضنا أن الحكومة الإسرائيلية ألحقت ضررًا بالولايات المتحدة ومكانتها وصورتها وعلاقاتها، وهو ما صرح به ترامب بأن القصف في الدوحة ليس في صالح واشنطن، فإنه إذا أرادت الولايات المتحدة تجنب الآثار السلبية لهذا الفعل، فعليها أن تنأى بنفسها عن هذا العمل الإجرامي ليس بالأساليب الخطابية أو التبريرات الواهية، بل بسلوك حقيقي يجبر إسرائيل على إنهاء حرب الإبادة الجماعية، وليس أقل من ذلك.

طعنة للقناعات الإقليمية وتكريس للصمت العربي

قامت إسرائيل في أقل من أسبوع بقصف عدة عواصم عربية من صنعاء إلى بيروت إلى دمشق، وصولًا إلى الدوحة، وليس انتهاءً بسفن المتضامنين الأجانب في الشواطئ التونسية، مقدمة نفسها كدولة تتلاعب بالأمن في المنطقة العربية، وتزعزع الاستقرار، وتكرس نفسها كدولة مارقة.

وأمام هذه الحقائق المصحوبة بأصوات الانفجارات وألسنة النيران والأدخنة السوداء في العواصم العربية، والتي يهلل لها قادة اليمين الصهيوني، وحتى المعارضة الإسرائيلية، يصعب فهم وجود قناعة لدى أطراف عربية بمستقبل التطبيع مع إسرائيل.

فالتطبيع ليس سوى وسيلة إسرائيلية لتمرير مشاريعها للسيطرة على المنطقة، ولا تضع إسرائيل في الاعتبار سوى مصالحها، وهي على استعداد لاختراق جميع الخطوط الحمر دون أي تردد. وعليه، فإن الدول المطبعة مع إسرائيل مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتراجع عن هذا المسار، والتفكير مليًا في عواقب هذا المسار الهش الذي يأخذها نحو تدهور أمني ومخاطر جسيمة.

لقد وُجهت إنذارات كثيرة خلال السنوات الماضية، ولكن القصف الأخير في الدوحة يشكل إنذارًا أكبر وأوضح، ويفتح فرصة لتصحيح القناعات. فالتطبيع الحقيقي هو الذي يدعم القضية الفلسطينية وعدالتها، وهذا لا يمكن أن يجتمع مع أية علاقة يمكن أن تستفيد منها إسرائيل.

إن الصمت العربي على ما جرى في الدوحة من استهداف، سيؤدي إلى القبول باستهداف عواصم عربية أخرى في الوقت الذي تحدده إسرائيل. وليس المقصود بالصمت الامتناع عن إدانة هذا السلوك فحسب، بل الصمت عن اتخاذ جميع الخطوات العملية اللازمة للضغط على إسرائيل، وإرغامها على التراجع عن هذا الإجرام والتوحش.

نسف لمصير الأسرى الإسرائيليين

عندما تحاول إسرائيل اغتيال فريق تفاوضي يناقش مقترحًا لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وإعادتهم إلى عائلاتهم، فإنها لا تقصف وفد حماس فحسب، بل تقصف أيضًا مصير الأسرى الإسرائيليين، وتوجه رسالة واضحة لعائلاتهم بأنها غير مهتمة بهم. ولذلك، من المتوقع أن يشهد الأسبوع الجاري تحركات أوسع من عائلات الأسرى الإسرائيليين ضد الحكومة الإسرائيلية.

تدمير لمشروع التغطية على الفشل بالإنجازات الوهمية

تبنت إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفي ظل فشلها في تحقيق أهدافها، سبلًا متعددة للتغطية على هذا الفشل من خلال استعراض القوة في مناطق مختلفة، حتى لو كان ذلك يضر بمصالحها الإستراتيجية. وذلك لأن إسرائيل فقدت قدرتها على الردع، خاصة أمام فاعل من غير الدول هو حماس. فما زالت المقاومة تنفذ عمليات نوعية ضد قوات الجيش الإسرائيلي بعد مرور أكثر من 700 يوم من حرب الإبادة، ولم تنكسر إرادتها بالرغم من كل أدوات القمع التي استخدمتها إسرائيل.

وأمام كل محاولة للتغطية على فشلها، تنجر إسرائيل إلى فشل أكبر منه وتغرق في مستنقعه. وكان القصف في الدوحة وقصف السفن في سواحل تونس، آخر حلقات هذا الفشل الذي تتسع دائرته.

إن محاولات تعويض الهزائم والانتكاسات والتغطية على الانقسامات الداخلية والضغط الناشئ من الانتقادات الدولية المتزايدة بتكتيكات تكرس الفشل، تحمل مخاطر إستراتيجية. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل مصممة على هذا الاتجاه، وهو ما يدعو جميع الدول إلى العمل بشكل موحد لوقف هذا الجنون الممزوج بالتوحش والعربدة، والذي يؤكد بطائراته وصواريخه وعقليته أنه لا يعرف حدودًا ولا خطوطًا حمراء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة